الأحد، 24 يناير 2021

القضاء وفض النزاعات في القريتين

صورة تعبيرية



أوّلاً – القضاء وفض النزاعات: إن معظم الخلافات في القريتين تكون بين الزوج وزوجته أو على أرض ... إلخ لكن تبقى المشكلة الرئيسة التي تعاني منها القريتين الطلاق .
وصحيح أن في القريتين منذ زمن بعيد محكمة صلح لحل النزاعات, إلا أن الكثير من هذه النزاعات تحل بالتراضي وبتدخل المصلِحين وغالباً على مبدأ ( اقسموا البيدر بالنص ). لكن هذا المبدأ لا يمكن تطبيقه في كل المنازعات, ولاسيما الخلاف بين الزوج وزوجته, ولذا معظم القضايا التي تعرض على القاضي تتعلق بهذا النوع من الخلافات, ومن هنا فالمشكلة الكبرى التي تعاني منها القريتين ( الطلاق ) وهي تعود إلى جملة عوامل منها :

العامل الاقتصادي: يتعلق بفقر الزوج أو قلة دخله وبطالته, وعدم قدرته على الإنفاق على أهله, والانفصال مع زوجته في بيت مستقل, مما يضطره إلى العيش مع الوالدين, وهذا هو الغالب في مجتمع القريتين, وأحياناً يسكن مع إخوته المتزوجين وأطفالهم, وما يرافق ذلك من مخاصمات ومنازعات, أو نتيجة إسراف أحد الزوجين وتبذيره لعدم واقعيته, أو تقتيره مما يحرم الأسرة الضروريات, فالعامل الاقتصادي في بيئة القريتين يُعدُّ هاماً في استقرار الأسرة وإبعاد شبح الطلاق عنها .


العامل الاجتماعي : ويتمثل بسوء معاملة أحد الزوجين للآخر وسوء سلوكه, كأن يقوم الزوج بضرب زوجته أو تكرار إهانتها, فتذهب إلى بيت أهلها ويقال ( زوجة فلان زعلانة) وعندها تحتاج إلى مراضاة لها ولأهلها, وإلا كان الطلاق, وكذلك الاستماع للوشايات والأقاويل, والتدخل من الأهل ولاسيما الأم حيث تلعب الأم ( الحماة ) دور السيد المطاع في بعض الأسر, يعاونها في ذلك بناتها ( أخوات الزوج ), فكلمة الأم لابنها في القريتين:( طلقها وميّة بنت بتبوس إيدك ) أو ( ارميها لأهلها وابشرْ بِمين يجوزك ) أو ( أهلها ألزمْ بِيها ).. إلخ كثيراً ما تتردد .


العامل النفسي والعاطفي : ويتعلق باختلاف الميول والطبائع, وعدم امتزاج الزوجين نتيجة عدم معرفة كل منهما نفسية الآخر قبل الزواج أو أثناء الخطبة, فقد تتكشف لأحد الزوجين صفات في الطرف الآخر يصعب الانسجام معها فتبدأ المشاكل والمشاحنات, وتضطرب العلاقة الزوجية وتنفصم عراها, كما أن عدم التسامح في إنهاء المشكلات نتيجة فتور عاطفة المحبة والمودة بين الزوجين يؤدي إلى تعقيد الأمور بينهما .


العامل الثقافي : كوجود فوارق ثقافية بين الزوجين أو انخفاض مستوى التعليم عندهما, وعدم إدراك أحد الزوجين لأهمية الحياة الزوجية والشعور بالمسؤولية, ولاسيما إذا كان أحدهما صغير السن أو كلاهما ويعود ذلك إلى أهل الشاب الذين يريدون تزويج ابنهم لرؤية أحفادهم قبل موتهم أو سترته كما يقال, وكذلك أهل الفتاة الذين يعتبرون ( همّ البنات للمات ) ووجودها دون جيزة- أي زواج- أصعب من جنازة .


عوامل أخرى : تتعلق بكيفية اختيار الزوجة أو الزوج, كأن يقوم الأهل نيابة عن الزوجين بذلك مما يشعرهما أن كلاً منهما قد فرض على الآخر, أو عدم إعطاء فرصة كافية للانسجام حيث تزداد حالات الطلاق في الفترة التي تلي الزواج مباشرة ولاسيما قبل مرور سنتين على الزواج, بينما تقل كلما طالت الحياة الزوجية, ومن العوامل عدم الإنجاب فالأولاد يشكلون رابطاً وثيقاً بين الزوجين فكلما ازداد عدد الأولاد قلّت حالات الطلاق فالأب يتريث, والأم تصبر لأن ( حملها ثقيل ) كما تقول, ومن العوامل عدم وجود جو ديمقراطي يسود أفراد الأسرة, أو سهر الزوج الدائم خارج المنـزل.

وأمّا الخيانة الزوجية فهي نادرة الوقوع في مجتمع القريتين الذي يتمسك بعاداته وقيمه الأصيلة ويحافظ عليها .

وأما حالات الخلع: أي طلب المرأة الطلاق وقبول الزوج بذلك, وغالباً تتم بتنازل المرأة عن بعض حقوقها للزوج, وتعويضه مادياً عما تحمّله من نفقات في مرحلة الخطوبة, إن هذه الحالات لم تكن معروفة في مجتمع القريتين سابقاً, فالطلاق من حق الرجل, ودور المرأة السمع والطاعة, بينما حالياً تعددت حالات الخلع لدى الزوجات المتعلمات ولا سيما العاملات الموظفات .

إن مجتمع القريتين ينظر إلى الطلاق بكراهية من خلال آثاره السيئة على نفسية الزوجين, وعلى أطفال أبرياء حرموا من حنان الأم أو حماية الأب مما يجعلهم عرضة إلى الإهمال والانحراف والشذوذ, كما تنعكس آثاره على بنية المجتمع , من خلال النزاعات بين الأسر .

إن المتضرِّر في ذلك الزوجة والأولاد, فالزوجة ولو كان طلاقها تعسفياً فهي التي تدفع الثمن غالياً, وتبقى طيلة حياتها دون زواج إلا ما ندر, بينما الرجل لو طلّق كل شهر زوجة لوجد في هذا المجتمع من يزوجه, فالمرأة في هذا المجال مقهورة ومظلومة علماً بأن الدين كرّم المرأة.

صحيح أن الإسلام رخَّص بالطلاق وأعطى الرجل المجال الكافي لمراجعة نفسه, لكن الطلاق لا يكون إلا في نهاية المطاف وعندما تستنفذ كافة السبل المتاحة والتي قررها الشرع, وعندها يتم تنفيذ الآية الكريمة ﴿ فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها ﴾ (1), فيقوم الحكمان بمحاولة التوفيق بين الطرفين وإنهاء المشكلة وإلا اضطرا إلى التفريق بينهما وتحميل كل طرف ما يتوجب عليه, وهنا تأخذ المرأة حقوقها كاملة إذا كان الطلاق تعسفياً, ويفرض للأطفال الصغار نفقة تقدرها المحكمة غالباً ما داموا في كنف ورعاية أمهم .

إن مما يلاحظ في مجتمع القريتين كثرة الطلاق, والنظر إلى الأنثى نظرة دونية لدى بعض الناس, وهؤلاء وأمثالهم يحرمون الأخوات من الميراث الذي قرره الشرع أيضاً .

وأما خلافات الأراضي فهي تحل عن طريق مُحكَّمين مختصين بهذا الموضوع أو اللجوء إلى القضاء, وأما حالات القتل فهي نوعان, الأول هو القتل غير العمد كحوادث السيارات مثلاً فهي تُحلُّ من خلال جاهة بعد مرور فترة من الزمن فالمثل الشائع في القريتين هو ( شيطان القرواني صغير ) وأكبر مشكلة من هذا النوع تُحلُّ بفنجان قهوة, وأما النوع الثانـي فهو القتل العمد وهو قليل جداً جداً, وهنا الأمـر مختلف حيث تستمر العداوة لفترة طويلة, وما على القاتل وذويه إلا مغادرة القريتين والجلاء عنها وقد يكون ذلك نهائياً .
جميع الحقوق محفوظة لــ مدينة القريتين 2015 ©