الأفراح في القريتين كثيرة ومناسباتها متعددة وأهمها حفل الزفاف, وما يدور فيه من أغان, فالزفاف فرحة كبرى لأهل العروسين وذويهما, ورغم أن لكل بلد عاداته وتقاليده في ذلك لكن تبقى هنالك قواسم مشتركة بين هذه العادات, ولا بد من وصف العرس من البداية وحتى النهاية.
1ً- العرس في القريتين :
الخطوبة :
عندما يدرس الشاب واقعه ومن هي البنت التي تلائم مكانته الاجتماعية, ويراها في عدة مناسبات في الحقول والأفراح وغيرها, ويعرف سيرة أهلها وسمعتها, يخبر الشاب أهله عن فتاته المطلوبة, وبعد أن تتم الموافقة من قبل الأهل, يرسل لأهلها من يطلبها بصورة مبدئية, وعندما يجد القبول من البنت وأهلها يتم تحديد موعد للخطبة الرسمية مع أهل العروس, ويتم فيها طلب يد الفتاة للشاب وقراءة الفاتحة وتحديد المهر, ثم يقوم أهل الشاب بدعوة أهل الحي والأقارب والأصدقاء من أجل الخطوبة, ويحضر المدعوون ومعهم الهدايا كل حسب إمكانياته ودرجة علاقته, ويكون معهم الشيخ الذي سيقوم بعقد القران, وعندما يصل الجميع إلى منزل والد العروس, يكون في استقبالهم عند مدخله أهل العروس وأقاربها, فيدخلون إلى المضافة, وتدار القهوة والشاي, ثم يتحدث الشيخ فيحمد الله تعالى, ويمدح عائلتي العروسين, ثم يقول: إن عائلة (العريس) يشرفهم القرب من عائلة (العروس) على سنة الله ورسوله, فيجيب أبو العروس: أهلاً وسهلاً يشرّفنا ذلك, ويتم عندها عقد القران, ويعيّن المهر أو ما يسمى بالثمن وهو مقدم ومؤخر, وهذا ما يسمى بالخطبة عند الشيخ.
وبعد أن يعقد الشيخ القران يقبل الخاطب يد أبيه وعمه والد العروس, ويقول الحضور له : ألف مبروك واللّه يجعل تمامها على خير, ثم تقدم الحلويات والفاكهة ضمن غناء النسوة.
أما عند المسيحيين فيطلبون من أهل العروس ما يسمى بالمباركة, وعندما تتم تقوم النسوة بالزغاريد والأغاني, والإشادة بأهل العروس وكرمهم وتقديرهم لمن أتوا لخطبة ابنتهم.
ومما تقوله النساء أثناء ذلك مخاطبات والد العروس :
( زغرودة لو لو لولو لولو .. ليش)
صورة رقم ( 4 ) عقد زواج يعود لعام 1920 م ويلاحظ جمال الخط
كما يخاطب العريس :
آه .. فلان (العريس) يا لـــــولـــــو مليت إيـــــــــــــــــــــدي
آه .. يا بـــــن الســـــــــخـا يا بـــــــــنْ الأجاويــــــــــــــــــــدي
آه .. نـــــــــــــــذرٍ عليّ إن جـوزنــــــــــــــاك ياســـــــــــــــــــيدي
آه .. لَــــــنـــــــــدقْ طبـــــــــــل الهنـــــــا ونقرا المواليــــــــــــــــــدي
آه .. فــــــــــــــــــــــلان شـــــــــــــــــنــــشل خـــــــــاتمك بيدكْ
آه.. والكرم كرمــــــــــــــــــــــــــــك واللـــــــولـــــــــــو عناقيدكْ
آه .. وطلبتْ من ربّ السّــــــــما يعطيــــــــــــــك ويزيدكْ
آه.. وتْصــــــــــــير حاكم وكلّ الناس تحت إيــــــــــــــــــــدكْ
وأثناء الخطبة تقول جدة العريس أو أمه:
آه .. اثنيــني اثنيـــني ..وعيـــــن الله علــــــــى اثنيني
آه ..محمود على الســـــــــــاقيي ومحـمد على عيني
آه .. نـــــــــــــــــــــــذرٍ علــــــــــيّ إن جـــــوّزتْ الثــنــــــــيــني
آه .. لَجـيـــــبْ للــــــــــــدار طبليـــــــــــــــــنـي وزمرينـــــــــــي
كما يخاطب والد العريس:
آه .. يـا حــــــــــاطّ المــــــــــــــــــــال لا تنـدم علـى مالـكْ
آه .. يـا ريــــتهـا جوهـــــــــــــــــــــــــــــرةْ وتغــــــلّ في داركْ
آه .. بكـرةْ يصـيـــــــــــح حمـــــــــــــــــــــام الـــــبـرّ في داركْ
آه .. ويعوضــــــــــــــــــــــــــــــكْ الله مــــــــــــالاً بعـد مـالكْ
هذا وتقوم النساء عندما يجلس ( العريس ) مع عروسه وحولهما الأهل والأقارب وصديقـات العروس بالغناء والرقص ولاسيما عندما يقوم بوضع الحلي والذهب والساعة بـيد العروس, ويقوم الأهل بإهداء العروس الذهب أو النقود ( التنقيط ).
وخلال فترة الخطوبة يتم الاتفاق على موعد الزفاف, وقديماً كان يتم في فصل الربيع أو في آخر الموسم في فصل الخريف, وقلما يتم في فصل الصيف حيث ذلك الفصل للجد والعمل, أما الآن فالصيف موسم الأعراس, حيث لا يمر يوم فيه دون عرس, وهنا تقوم العروس في فترة الخطوبة بتحضير بعض المطرزات والمنسوجات كالوسائد والمراكي والثياب والقطع التي ترغب العروس بصمدها من عمل يدها, ويعاونها في ذلك صديقاتها وقريباتها, وكانت العروس تسافر مع ذويها إلى حمص لشراء الذهب وما تحتاجه من ثياب وأحذية.., وقد يضطر الجميع للبقاء في المدينة حتى يكتمل شراء الجهاز.
وفي الوقت المحدد للزفاف وقبل موعده بثلاثة أيام يبدأ العريس بالدعوة إلى داره لإقامة الأفراح وتسمى هذه الأيام ( أيام التعاليل ) حيث يسهر الجميع و لاسيما الشباب على قرع الطبل والزمر والدبكة كما يتبارى المغنون في إحياء تلك الليالي الجميلة, وكثيراً ما ينقسم الحضور إلى قسمين, قسم يؤيد شاعراً يمدح البنت السمراء, وقسم يؤيد شاعراً يمدح البنت البيضاء, ويترافق ذلك بألوان الغـــناء والدبكة والرقــص, وقديماً كان أول مــــــــــا يقوم بــــــه أهل العريـــــس أخذ الطــــّبـــــاق ( الأطباق ) إلى أهل العروس, وكلمة الطباق مشتقة من الطبق المصنوع من القش فيوضع في كل طبق مادة غذائية كالبرغل والرز والسمن والزبيب ...إلخ. ويتقدم الجميع اثنان يحملان ذبيحة وذلك لأهل العروس حتى يقوموا بصنع الطعام لضيوفهم في تلك الفترة, وبعد توصيل ذلك يحملون على الأطباق ذاتها جهاز العروس, بالإضافة إلى الصندوق المزين بالصدف وغالباً يتم حمله على دابة, الصورة رقم ( 5 ) ويترافق ذلك مع الأهازيج مثل :
الصورة رقم ( 5 ) الصندوق المزين بالصدف
وحالياً أصبح هذا الصندوق المطعّم من الماضي, يقتنى للزينة, بل الكثير من هذه الصناديق بيع لتجارٍ يبحثون عن هذه القطع الأثرية والتراثية, وأصبح من مهمة العريس شراء غرفة نوم وأهم مافيها الخزانة الخشبية ذات العروق والزخارف المحفورة عليها والتخت المزدوج (السرير), وبالتالي لم تعد تخرج العروس معها إلا ثيابها وأدواتها وبعض المطرزات والوسائد... وذلك ضمن حقائب جلدية.
حنة العروس :
وفي مساء يوم الحنة تذهب والدة العريس إلى بيت العروس لتلبيسها الثياب الجديدة وتزيينها, وكانت تزينها امرأة مشهورة توفّيت تدعى ( نخلة حسنة ) وكان التزيين هنا بسيطاً, حيث التزيين الحقيقي في اليوم التالي, وفي بداية الليل تذهب أخوات العريس وقريباته إلى منزل أهل العروس طالبات الإذن منهم القيام بحنة العروس, وتقوم إحدى البنات بجبل الحناء على أصوات البنات اللواتي يقمن بتنويع الأغانـي :
جبالة الحنّــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة شكلي الزنود واجبلي الحنّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة لبيض النهود
ومثل :
وتقوم إحدى البنات بوضع الحناء في كف العروس مع الغناء المناسب والزغاريد مثل :
( زغرودة ) .... البعض يقول : ومد إيدو حنولو أي ضعوا الحنة على يده ويقصد العروس ..
( زغرودة )
( زغرودة )
( زغرودة )
وعندما تتم الحنة يبارك الجميع للعروس, ويدعون لها بالتوفيق والحياة السعيدة, وينتقلون إلى دار العريس, ويبقى عند العروس ذووها وصديقاتها .
حنة العريس :
في بيت العريس يجتمع الأقارب والأصدقاء ويسمون بشباب العريس يعزفون ويغنون الأغاني الحلوة والعتابا والمولـيّا, مع مرافقة الدبكة فيدخل أحد شباب العريس يحمل على كفه صينية الحناء وهم يغنون :
وهنا يتنافس أصدقاء العريس على تنـزيل العريس بأخذ الوردة الموجودة على الصينية أو غمس الإصبع في الحناء إذا لم يحسم هذا الأمر مسبقاً بينهم, ومن وقع عليه الاختيار يقف ويقول بصوت عالٍ : ( العريس وكلّ الحاضرين بكرة عشاكم عندي ), ثم يقوم العريس بدعوة رفاقه لتحنية أيديهم, ويقوم أحد شباب العريس بوضع الحناء في كف العريس وحالياً على الخنصر فقط, ويترافق ذلك بالغناء ويدعى في القريتين ( الحرّوبـي ) مثل :
ومثل :
ومن ألوان الغناء الأخرى مثل :
والبعض يقول بفاطر أي بناقة, ومثل :
يأخذ الشابُ الذي غمس إصبعه بالحناء أولاً العريسَ وشبابَه للمبيت عنده, حيث يكملون السهرة بالغناء والطرب وما لذ من الطعام, وأما الرجال ولا سيما كبار السن فيجلسون في المنزول ( المضافة ) يستمعون لعازف الربابة حيث الميجانا والعتابا والموليّا والقصيد التي تناسب الموقف, وأهل العريس يرحبون بالجميع ويقدمون ما أعدوه لتلك المناسبة.
يوم الزفاف :
في يوم الزفاف يحضر جميع الذين حضروا بالأمس لحضور حلاقة العريس بعد صلاة العصر, وبعد حضور الحلاق تنطلق الأهازيج, ويسبق حلاقة العريس أحد شبابه أو أكثر من باب الإكرام والترحيب أو أحد أخوته, وعندما تبدأ حلاقة العريس, تنطلق أهازيج مثل :
وأثناء حلاقة العريس والغناء عليه تكون الشوابيش ( جمع شوباش وتعني مرحى ولله درّه ) حيث يقف المنادي بصوت عالٍ يقول لمن يدفع المال ورافعاً ورقة النقود بأصابعه نحو الأعلى:( شوباش عليك يا فلان, والمحبة براس العريس, أو شوباش عليك يا فلان, والمحبة براس فلان أو العائلة الفلانية أو شباب العريس وهكذا ).
وقبل أن ينتهي الحلاق من حلاقته للعريس يهزجون حوله :
( يَم فلان : يا أم العريس حيث يسمى باسمه ).
وعند الانتهاء من الحلاقة, يقف العريس ويرش عليه الحلوى والنقود, ثم يقف أحد الشباب بجواره ويغني :
ثم تعقد حلقات الدبكة أمام بيت صاحب العرس على صوت الزمر والطبل أو الدربكة, الصورة رقم ( 6 ) وقد يحمل العريس على الأكتاف لفترة, ويحمل طبق عليه طقم العريس, و ريثما ينـتهي العريس من لبسه, تستمر الدبكة والزغاريد, حيث يمسك قائد الدبكة ( الطارود) على الأول وبيده محرمة ويغني :
وهنا تغني أم الطارود أو قريبته موجهة كلامها له :
آه ... اللّه معكْ يا لماســــــــــــــــــــــك المحرمةْ بيدِكْ
آه . .. يا كرم غضّـــانْ وتــــــــــــــــــدلـتْ عناقيــــدكْ
آه ... طلبت من رب السّــــــــما يعطيك ويزيدِكْ
آه ... وتصيــــر حاكــــــــم وكلّ الناس تحت إيدِك
( زغرودة )
الصورة رقم ( 6 ) تمثل حفل زفاف في القريتين ( الدبكة )
وهنا يكون العريس قد لبس ثيابه, ورش عليه العطر, فيؤخذ في زفة مع شبابه إلى بيت صاحب الدعوة مشياً على الأقدام وسط الغناء العالي, وقديماً كانت سباقات خيل تقام على طريق دير مار اليان ويزف العريس على حصان, أما حالياً فالزفة تكون بالسيارات, ويصل الجميع إلى بيت صاحب الدعوة حيث يكون في استقبالهم كبار أهل البيت, ويستقبلون بالزغاريد والغناء, ثم يدخل العريس وشبابه إلى المنزول, ووسط الغناء والرقص يتناول الجميع الطعام, ويقدم أحد أصدقاء العريس المتزوجين نصائح للعريس, بكيفية التعامل مع عروسه في هذه الليلة من حيث الملاطفة والمؤانسة.
وهنا نعود إلى بيت العروس ففي الوقت الذي يكون فيه الحلاق يحلق للعريس في بيته تكون العروس قد لبست ثوب الزفاف, وهو تنورة من المخمل, الصورة رقم ( 7 )كما كانت تقوم المزينة ( نخلة زوجة زكي عطا الله ) بتزيينها, وأما حالياً فقد اختلف الأمر, فالفستان مختلف, والتزيين يتم في صالونات للمزينات ( الكوافيرا) أو في صالات الأفراح, ثم تلبس حليـّها كالغوازي والحلق والقلادة والأساور, و تجلس في قوس العرس ( السّدّة ) الذي تحيط به الإضاءة, ويترافق ذلك بالغناء ( الحروبي ) مثل :
الصورة رقم (7) تبين ثوب الزفاف القديم في القريتين
كمـا تردد النسوة أهازيج مثل :
وتستمر الفرحة في بيت العروس, والنساء يتوافدن لرؤيتها على مجلاها, وفي هذه الأثناء يأتـي أهل العريس, ويطلبون من أهل العروس السماح لهم بأخذ عروسهم, فيقوم والدها بإنزالها من القوس ودموع الحزن في عينيها على فراق أهلها, ويضعون على وجهها ملاءة, وفوق ثيابها عباءة رقيقة مصنوعة من الوبر, وقبل أن تودع العروس أهلها تقف أمها أو جدتها بجوارها وهي تغني لها :
وتؤخذ إلى بيت العريس, وقديماً كانت العروس تركب هودجاً على جمل, ثم صارت تزف على حصان, ولمن يقوده محرمة وعشر ليرات سورية وعلى غناء النسوة حيث أغنية الوداع للعروس:
وترافق إلى بيت العريس بالغناء والزغاريد, ويصل خبر وصول العروس إلى بيت العريس فيطلب العريس وذووه الإذن من صاحب الدعوة بالخروج فيخرجون وهم يغنون :
ويزفون العريس وعند باب داره تكون هذه الحوربة ( الغناء بصوت عالٍ ):
أو:
أو :
أو :
أو :
أو: نخّيت ركبتها وقلت لها انزلي يانــوقي هذا موعد الخلاّنِ
وهي موجودة في الملحق مع قصّتها.
وكان يُزفّ على فرس بالغناء والزغاريد, مستخدمين الطبل والزمر, وطراد الخيل, حيث تكون العروس بانتظاره وعند دخوله الغرفة التي فيها العروس والأهل من الطرفين تقف العروس احتراماً له ويجلسان فترة قصيرة بين الأهل والأقارب حيث الغناء, وأما شباب العريس فهم في الشارع يدبكون, وتغني النساء مع الزغاريد:
آه ... رجالنا هوبرت ونســـــــــــــــــــــــــــــــــوانا غنّتْ
آه ... وراياتنا البيض من راس الجبل طلّــــتْ
آه ..ريت اللي شافت هــالشــباب وما سمّتْ
آه ... تقبر صباها وبعدهـا الشمس ما طلتْ
وبعدها يصطحب العريس عروسه إلى غرفته مصحوباً بالزغاريد, وعند دخول العروس إلى بيت العريس تقوم بلصق قطعة من العجين فوق الباب كرمز للثبات والبركة, وبعد دخول العريسين يبقى الأهل والأقارب وكبار السن في المنزول يغنون حتى ساعة متأخرة من الليل الصورة رقم ( 8 ) .
صورة رقم ( 8 ) من حفلة عرس وفيها المطرب الشعبي محمود العبيد على الربابة
وعلي الغالي على الدربكة مع العتابا والموليا
وتقول النسوة :
( زغرودة )
وعندما يدخل العروسان غرفتهما, يصليان سنة الزواج, ثم يتناولان الطعام المخصص وهو ديك مشوي والفاكهة والحلويات, ضمن جو من الملاطفة والمؤانسة وبعض الوصايا من العريس.
أما عند المسيحيين فتؤخذ العروس من دار أهلها إلى الكنيسة, حيث يأتي العريس إليها في زفة, وفيها يتم عقد القران, على مرأى جميع المدعويين, وبعدها يزف الاثنان معاً إلى منزل العريس.
وفي الأيام التالية للزفاف تبدأ المباركة من الأهل والجيران والأصدقاء بعبارات منها: (مبروكة هالكنة عليكو, الله يجعلها هدوفة خير ), ويقال للعروس: ( مبروك عليكي بيتِك يا عروس ), ويتم تقديم الهدايا للعروسين, وما يقدم يدعى ( النقوط ), وكانت الذبائح تنحر في اليوم التالي, ويدعى الناس لتناول العشاء ( كرمة العرس ), وحالياً أصبحت وليمة الكرمة تتم يوم الزفاف غالباً, وتتوالى العزايم للعروسين حيث يقوم شباب العريس وأقاربه بدعوتهما لتناول طعام الغذاء أو العشاء.
هذا هو العرس الحقيقي في القريتين, عرس فيه الرصانة والفرح والسرور, وأمـّا بعض ما يُشاهد اليـوم فهو مختلف, فالآن أصوات السيارات والمطربين والـنَّوَريات تصمّ الآذان, وتوجع رؤوس الحضور والجيران.
2- مناسبات أخرى: هناك مناسبات خاصة كالختان والقدوم من الحج والقدوم من سفر طويل, وهذه المناسبات يشارك فيها معظم الأهالي, كما توجد مناسبات عامة كالأعياد الدينية مثل عيد الفطر وعيد الأضحى, و ذكرى المولد النبوي, ولشهر رمضان طابعه الروحي الخاص فـي القريتين في المساجد والبيوت, كما توجد مناسبات اندثرت.
أما المسيحيون فلهم أعيادهم ومناسباتهم الخاصة, وأهمها أعياد الميلاد والفصح المجيد وعيد دير مار اليان الشرقي الذي يصادف اليوم التاسع من أيلول من كل عام, والعماد.
وسنتحدث عن هذه المناسبات بالتفصيل :
- الختان :
يحتفل بالختان, ولاسيما عندما يكون المختون وحيداً, وأهله ميسورين فالختان هنا لا يقل عن أي عرس, حيث تترافق هذه المناسبة بالأغاني والدبكة وأحياناً يأتون بالنوريات, وقد أعاد البعض هذه العادة السيئة ( عادة جلب الـنّور ) رغم مكافحتها على الصعيد الشعبي, وذلك لما يتخلل هذه الحفلات من المشاكل بين الشباب, وبذل الأموال رخيصة من أجل تحية من نورية أو شابوش منها.
إن الختان فرحة ومناسبة هامة للأهل كي يفرحوا بابنهم المختون, وتقوم النساء بإطلاق الزغاريد والغناء على الطفل المختون, كما توزع الحلويات بهذه المناسبة .
لقد كان الحلاق يقوم بختان الأطفال ودون تخدير مستخدماً ميل من العاج وملقط مناسب وموسى حادّةً من أمواس الحلاقين العادية ثم يرش السلفا أو البنسلين ويتم التضميد بقماش نظيف, كما استخدم الرماد كرشوش قديماً, وأشهر الحلاقين الذين قاموا بختن الأطفال المرحوم عبد الكريم الحلاق الشحادة، وحالياً يتم الختان من قبل مطهر قانونـي .
- القدوم من الحج :
في كل عام يذهب الحجاج لأداء هذا الفرض, وما إن يقترب موعد سفرهم حتى تغصّ بيوتهم بالمودعين, ويستمر ذلك حتى سفرهم .
ولكن الفرحة الكبرى عندما يعودون, حيث يقوم ذووهم بوضع قوس من أغصان أشجار الحور أو سعف النخل أو غير ذلك أمام بيت الحاج مع تزيينه بالأعلام والكورنيش واللافتات والبالونات ومصابيح الكهرباء الملونة الصورة رقم ( 9 ) كما يتم تزيين المضافة ( المنزول ) ويكتبون على الجدران بعض العبارات المناسبة مثل:( حج مبرور وسعي مشكور , أهلاً بضيوف الرحمن , أهلاً بحجاج بيت اللّه الحرام ...إلخ ), وفي يوم قدومهم تتم دعوة الأقارب والجيران والأصدقاء لاستقبال الحجاج, وعندما يجتمع هؤلاء يركبون السيارات وهم يلوحون بالأعلام ويغنّون, وعلى بعد ( 13) كم على طريق الشام, يتم انتظار قدوم موكبهم, وعندما يصل الموكب ينـزل الحجاج بثيابهم البيضاء, ووسط زغاريد النسوة يصافح المستقبلون الحجاج, ويهنئونهم بسلامة الوصول وأداء هذا الفرض, ثم ينطلق الموكب باتجاه القريتين, حيث يتم دخولها من المدخل الغربي, وتبدأ زمامير السّيارات تصم الآذان, وكأنها زفة عرس, ويسير الموكب في الشوارع الرئيسة, ويخرج الأهالي إلى الشوارع لمشاهدة الحجاج حيث يلوحون بأيديهم لهم, كما تقوم بعض النسوة برش السكاكر والرز على السيارات, وغالباً يكون الحاج مدعوّاً إلى بيت أحد محبّيه, حيث يتناول الجميع الطعام, ثم ينتقل الحاج إلى بيته, وفيه يستقبل المهنِّئين, ويقدم لهم المسابح والمساوك وماء زمزم والعجوة كما يوزع بعض الساعات والأقمشة وأحذية الإسفنج لذويه .
ثم يدعو الحاج هؤلاء إلى وليمة وهذا كله من باب الشكر للّه الذي أتاح له أداء هذا الركن, وزيارة قبر حبيبه صلّى اللّه عليه وسلّم .
الصورة رقم ( 9 ) التزيين للحاج أمام بيته
- مناسبة ختم القرآن الكريم وغيرها : ختم القرآن كانت مناسبة احتفالية واندثرت, وكانت تجرى عندما الصبي ينتهي من حفظ القرآن الكريم عند الشيخ ( في الكتّاب) ويقولون ختم القرآن, فكانوا يحتفلون به, ويلبسونه أجمل ما عنده من الثياب, ويضعون على رأسه طبقاً مملوءاً بالحلوى, ويمر مع رفاقه على الحارات القديمة, وهم ينشدون ويغنون بصوتهم العذب :
كما كان الأطفال في ليالي الشتاء الباردة- قديماً- يخرجون ويطرقون أبواب الناس طالبين منهم الحطب وهم يقولون :
حلّــــــــــــــوا الحزمـة واعطــــــونا واعطونا لولا فـــــــــلان ما جيـنا ما جـينا
فلان قاعدْ عَ الكرسي عَ الكرسي وبيـدو ملعـقة البقسي البقسي
يـا ربـي تسلّمـو تسلّمـو ...
فإذا استجيب لهم مدحوا صاحبة البيت, وإلا ذموها, ثم يأخذون الحطب ويقومون بإشعاله والتدفئة عليه .
وبالمقابل ظهرت احتفالات لم تكن موجودة سابقاً, منها احتفال الأهل بأعياد ميلاد أطفالهم حيث يدعى رفاقه, وتقدم الحلويات والكاتو لهم, وتشعل الشموع, وتقدم للطفل الهدايا, وهذا الأمر لم يكن موجوداً في الماضي, فالكثير من كبار السن لا يعرفون اليوم الذي ولدوا فيه, وحتى الشهر والسنة, بينما حالياً يسجل المولود بدقة, فالجيل الجديد يعرف الساعة التي ولد فيها.
الأعياد الدينية :
لكل أمة أعيادها التي تحتفل بها, وتحرص عليها, وفي القريتين كباقي القطر يحتفل المسلمون بعيدي الفطر السعيد ( العيد الصغير ) والأضحى المبارك ( العيد الكبـير ), كما يحتفل المسيحيون بأعياد الميلاد والفصح المجيد وعيد دير مار اليان .
والاحتفال بالعيد واحد لدى أبناء القريتين من حيث شراء الثياب للأطفال خاصة أو صنع أقراص العيد, أو من خلال زيارات بعضهم لبعض, و من هنا تنتهي العداوات بين الناس, وتزداد أواصر المحبة بينهم, فللعيد بهجته وطابعه الروحي الجميل.
والأسرة في القريتين تتهيأ لاستقبال العيد, فالأم تصنع الأقراص, وقد تحدثنا عنها, وتقوم بتهيئة البيت من حيث الحوارة, وإعادة ترتيبه من جديد, وكانت النسوة كعادتـهن يقمن بتنظيف الشارع قبل طلوع الشمس, فمن المعيب وجود أية أوساخ أمام البيت, ولذا كنت تجد شوارع القريتين نظيفة وهي عادة حميدة, وهذا ليس في صبيحة العيد فقط بل كن يفعلن ذلك بشكل مستمر, وأما الأب فيقوم بإعداد القهوة المرة, وشراء الحلويات والفاكهة ومتطلبات العيد.
وفي صبيحة العيد يذهب الجميع لأداء الصلاة وسماع الخطبة, حيث تنطلق أصوات المصلين بالتكبير في المساجد, أو قرع الأجراس في الكنائس . ثم ينطلقون إلى المقابر لزيارة أمواتهم والعظة, فالدنيا فانية, وعلى الإنسان أن يكون متسامحاً مع الآخرين, فالعيد يغسل ما في القلوب من أدران الدنيا, وبعد نزولهم من المقابر, يتزاورون, ويلتقي أفراد العائلة كلهم في بيت كبيرها, وهذا الأمر موجود في كل مجتمعاتنا الشرقية, ويأخذ الأطفال النقود ( العيدية ) لشراء وسائل التسلية وغيرها, كما كان يحتفل في مسجد الفردوس سنوياً بذكرى المولد النبوي الشريف وبليلة النصف من شعبان, وكذلك المسيحيون يحتفلون بأعيادهم والمناسبات الدينية عندهم, ولا بدّ من الإشارة إلى جو المحبة والمودّة بين أبناء القريتين جميعاً ( مسلمين ومسيحيين ) منذ عهد الآباء والأجداد وحتى الأبناء والأحفاد حيث يتزاورون في الأعياد مقدِّمين التهانـي والأمانـي الطيبة لبعضهم البعض بحلول هذه الأعياد وغيرها من المناسبات.
رمضان شهر الخير والبركة :
شهر له تقاليده الخاصة التي تختلف عن بقية الشهور, فالناس يستعدون لــه قبل قدومه بأيام, فهم يقومون بتأمين حاجاتهم من ( زبدة, عجوة, حلاوة, تمر هندي ...إلخ ).
والدكاكين تستعد لذلك, وتجدها تغص بالناس, وهم فرحـون ومستبشرون بقدوم هذا الشهر العظيم, وعندما يتزودون بزوادة رمضان ( المواد الغذائية ), لابد من إكرام الوالدين بهذه الزوادة.
في الليـلة الأولـى يذهب الناس إلى المساجد في صلاة العشاء خاصة لأداء التراويح, وتجد المساجد تغص بالمصلين, كما تعلو الفرحة وجـوه الأطفال, وما إن يعلن عن رؤية هلال رمضان, حتى تبدأ المآذن ببث آيات من الـذكر الحكيم دلالة على دخول هذا الشهر, وتبدأ المباركة بين الناس حيث أن اللّه تعالـى قد بلّغهم رمضان الكريم هذا العام.
ويحرص الناس على حضور صلاة الجماعة ولاسيما صلاتي العشاء والفجر, وينتظر الأطفال بشوق أذان المغرب في الشوارع, ويدخلون بيوتهم وهم يصيحون: كبّر, كبّـر, ولكي يتعود الأطفال الصغار الصيام يصومون إلى الظهيرة ثم إلى العصر وتسمى ( درجات المئذنة ), وعندما يرفع الأذان تخلو شوارع القريتين من المارة, وقد عرفت القريتين مسحّر رمضان عند السحور بطبلته وهو يطرق الأبواب ويصيح بصوته العالي: ( يا نايم وحّد الدايم, يا نايم صلّ على النبي), وحالياً يعتمد على ساعات المنبه ومضخِّمات الصوت في المآذن, وتزداد العبادة وتلاوة القرآن الكريم والدعاء في ليلة القدر, وهي غالباً ليلة ( 27) رمضان, و يقوم الشيخ أسعد الشباك ( رحمه الله ) والمصلون بتوديعه بعد صلاة التراويح والوتر في مسجد الفردوس في أيامه الأخيرة وكذلك في الحامع الشرقي , وذلك بأبيـات من قصيدة البردة المشهورة للبوصيري ( 4 ) وبنغمة حزينة وجميلة و نذكر منها :
وكلما انتهى الشيخ من بيت من هذه الأبيات, قام المصلون بترديد البيت الأول ضمن نغمة حزينة جميلة مأخوذة من إنشاد الطرق الصوفية.
كما يقوم الشيخ بتوديع هذا الشهر الكريم بأبيات أخرى منها :
يا شَهْرَنا هَذا علَيْكَ السّلامْ شهْرُ التّراويح ِوشهرُ الصّيامْ
فيردِّد المصلون هذا البيت وراءه ويكون كاللازمة يرددونه كلما انتهى الشيخ من مقطع من هذه المقاطع:
وهكذا يستمر توديع رمضان بهذه الأبيات الجميلة والمؤثرة وغيرها حتى نهايته.
العماد (5 ) : من المناسبات الهامة, وهو ركن أساسي من أركان المسيحية, وسر من أسرار الكنيسة وهو فرحة كبرى للعائلة إذا قامت بتعميد أحد أولادها, فكيف يتم ذلك ؟ .
ليس للعماد عمر محدد, ولكن يفضل أن يتم في الصغر, وعندما يريد الأهل تعميد ولدهم يعلمون راعي الكنيسة, ويحدد الموعد, ولابد من وجود أشبين ( عرّاب ) للمعمود, ومهمته حمل المعمود عند تعميده, وعندما يصل الأهل والأصدقاء إلى الكنيسة تقرع الأجراس, ويقوم رجل الدين بوضع الطفل المعمود في جرن مملوء بالماء, ويضع الماء على رأسه عدة مرات مع القيام بالصلوات والتراتيل المناسبة, الصورة رقم (10) ثم يمسحه بالميرون ( مادة قوامها زيت الزيتون ), ثم يلبس الطفل ثيابا ًخاصة يغلب عليها اللون الأبيض, ويترافق ذلك مع غناء النسوة :
كما يغنى على راعي الكنيسة والأشبين:
وعندما يخرج الجميع من الكنيسة يرفعون المعمود وهم يغنون:
هذا وتقدم الأطعمة والحلويات في المنزل كما يدعى للطفل المعمود.
الصورة ( 10 ) عمادة طفل عند المسيحيين
حواشي وإحالات :
الشلفة: الرمح.
نستَـنّى: ننتظر وهي محرّفة من نستأنـي, والتأنـّي هو التمهل والانتظار والتثبت.
يقصد بالتهامي النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأنه من مواليد مكة المكرمة التي تعد من تهامة الحجاز وهي الأرض المنخفضة المحصورة بين شاطئ البحر الأحمر وجبال الحجاز.
البوصيري: ( 6.8 - 696 هـ = 1212 - 1296 م ) محـمد بن سعيد بن حماد البوصيري المصري: شاعر حسن الديباجة، مليح المعاني, نسبته إلى بوصير بمصر, مولده ووفاته بمصر, له ( ديوان شعر – ط ) وأشهر شعره قصيدة البردة المعروفة، ومطلعها: ( أمن تذكر جيران بذي سلم ) شرحها وعارضها كثيرون، والهمزية ومطلعها :
كيفَ تَرْقَى رُقِيَّكَ الأنبياءُ يا سماءً ما طاولتْها سماءُ
كتب هذه الفقرة المربـي عبد الكريم السطاح ( أبو سميح ) مشكوراً .