قبل أن نتحدث عن القريتين وتراثها لابد من إعطاء القارئ لمحة جغرافية ثم تاريخية موجزة عن هذه المدينة الجميلة والعريقة في القدم.
فالقريتين الواقعة إلى الجنوب الشرقي من مدينة حمص, تبعد عنها حوالي (95) كم عن طريق مهين- صدد, و (120) كم عن مدينة تدمر, وضمـن حدود بادية الشام ( المصور رقم 2).
المصور رقم ( 2 ) يبين القطر العربي السوري وفيه يتبين موقع مدينة القريتين
والقريتين مركز ناحية تتبع محافظة حمص- المركز-( 1 ), و تقع عند تقاطـع خط عرض (13', 34°) شمال خط الاستواء, وخط طول )14', 37°) شرق خط غرينتش(2), وترتفع القريتين عن سطح البحر حوالي ( 748 ) م.
ويبلغ عدد نفوسها حوالي (32 ) ألف نسمة في شهر آذار عام 2005م, و في الإحصاء وتسجيل النفوس الذي جرى بتاريخ 21 / 1 / 1922م, وانتهى فـي 3 / 2 / 1922م بلغ عدد المساكن ( الخانات ) فيها ( 435 ) مسكناً موزعة على الشكل التالي :
إسلام ( 344), سريان قديم ( 54 ), كاثوليك ( 36), بروتستانت (1), ( انظر الملحق ) كما بلغ عدد ســــــــكانها في ذلك الإحصاء ( 1579 ) نســـــــــــــمة, حيث ضمت ( 1258 مســـــــــلماً و 321 مسيحياً ), وهم يتضاعفون فـي أقل من ( 25 ) سنة كما يتبين من هذا الجدول:
العام : 1975 1980 1985 1990 1995 2000 م
العدد : 13931 17155 20818 22401 25337 28526
مصور رقم ( 3 ) يبين ناحية القريتين التابعة لمحافظة حمص / المركز
ويجاور ناحية القريتين من الشمال ناحية الفرقلس ومنطقة المخرم (ناحية جب الجراح) , ومن الشرق منطقة تدمـر, ومن الجنوب محافظة ريف دمشـــق, ومن الغرب ناحية مهين, ( المصور رقم 3 ) وبالنسبة لمناخها فهو مناخ متوســــطي داخلي شبه جاف, ذو شتاء بارد ( متوسط حرارة كانون الثاني 5.7 درجة مئوية ) وصيف حار وجاف وطويل ( متوسط حرارة شهر تموز 25 درجة تقريباً ), والفروق الحرارية كبيرة, ومتوسط أمطاره لا يتجاوز ( 120 ) ملم, وهي متفاوتة بين عام وآخر وقد يصل التفاوت بين عامين إلـى الربع ( بين سنة مطيرة أي سنة خير وسنة قليلة المطر أي محل ), وهي غير منتظمة في مواعيد هطولها ( توزعها على أشهر السنة بين عام وآخر ) لكنها بشكل عام تتوزع على فصول السنة كالآتي: ( الخريف 28.6 %, الشتاء 41.1 %, الربيع 30.3 %, الصيف.) (3).وهي ذات موقع هام تقع على الطريق الواصل بين دمشق وتدمر ( تبعد عن دمشق 130 كم عن طريق جيرود ), وتضم الناحية مدينة القريتين وعدة قرى كالصفا ( المحطة الرابعة ) ووادي الشرقي ومزارع وأماكن منها الجباة والكمكوم والمحسة وحفيّر وشريفة والباردة وبئر عنيبة وبئر المنقورة وأبو دالي والغدير ووادي الفرس والدوّ والبصيرة والمكيمن والروضة والزغروتية ووادي الضبعة وخنيفيس ( خنيس ) وجباب الفواعرة والعبد - العبدة وقصر الحير الغربي وحمام أبو رباح البخاري وخربة هجيج و شريفة وخنيزير ( المصور 4 ).
المصور رقم (4) يبين ناحية القريتين وحدودها الإدارية(4)
والقريتين تعد من المناظر في بادية الشام ( 5 ), وقد فسرت المناظر من قبل الباحث أحمد وصفي زكريا في كتابه عشائر الشام بقوله: ( وأما المناظر وهي الواحات أو القرى المسكونة وسط البادية كتدمر وأرك والسخنة والقريتين.. وكأنها جزائر منثورة وسط بحر ضخم, أو كأنها غيطان خضراء وسط بوادٍ قفراء ) ( 6 ), ولقد أطلق أهل المدن على أبنائها السخانة, ففي الكتاب السابق يقول أحمد وصفي زكريا: ( وقد اعتاد أهل الحواضر الشامية أن يسموا قرى المناظر بالسخانة نسبة إلى السخنة إحدى القرى المذكورة )( 7 ) والسبب هو كون أهل السخنة يحبون التجارة, ولهم علاقاتهم التجارية القديمة والوثيقة مع أهل الحواضر الشامية( 8 ).
وقد حاء في كتابه جولة أثرية وذلك في بداية ثلاثينيات القرن الماضي وصفاً للقريتين فقال بالحرف : ( أما القريتان فهي وسط سهول فسيحة قفراء, في غربها الجبل الآتي من النبك إلى مهين وشرقها سلسلة الجبال الممتدة من جنوبي الناصرية إلى غربي تدمر يؤتى إليها من دمشق عن طريق القطيفة وجيرود ( 130 كيلومتراً ) ومن حمص عن طريق صدد – مهين (96كيلومتراً ) ومن تدمر عن طريق عين البيضاء وقصر الحير (107كيلومتراً ) , وفي طريقها من مهين أو من جيرود برارٍ وتلعات بيضاء صلعاء لا ترى فيها إلا جمال البدو ومضاربهم وأسراب الغزلان ومصائدهم والشمس المتوهجة والسراب المتلألئ .. ) .
ويذكر السيد أحمد وصفي زكريا في كتابه (جولة أثرية) بأن القريتين كانت مركزاً لقضاء يدعى قضاء القريتين ( منطقة ) وكان يضم ناحيتي القريتين وتدمر وقرى عديدة , وهــــــذا ما نراه فــي ( الصورة رقم 1 و 2 ), ثم ألغي القضاء, فهو يقول : ( أما هي ( أي القريتين) فقرية كبيرة طيبة المياه كثيرة القنوات والبساتين والكروم فيها التفاح الجيد والعنب الفاخر, لا تختلف بطراز بنائها وسحن أهلها وأزيائهم وأطوارهم عما في بقية قرى جبل قلمون وقد جعلت منذ بضع سنوات مركز قضاء تتبع لواء حمص من أعمالها قرى حوارين وحفر وصدد والرحيبة والغنثر ومهين وحدث وأبو فرج وناحية تدمر التي فيها تدمر وأرك والسخنة والطيبة والكوم ثم ألغي هذا القضاء في سنة 1352ه(9 ) وبقيت القريتان مركز ناحية ) (10) . ويتابع أحمد وصفي زكريا قائلاً : ( وعلى بعض مسافة منها حمامات معدنية طبيعية تصلح للنقرس وأوجاع المفاصل منها عين كبريتية غزيرة يستحم بها المصابون بأمراض جلدية ) . وأتوقع أنه قصد بقوله عين كبريتية غزيرة هي عين السخنة الواقعة ضمن كروم القريتين وذلك في شرقها, فمياهها كبريتية غزيرة كانت تسقي كروم تسمى باسمها وهي واسعة, ولم يقصد حمام أبو رباح لأنه تحدث عنه مطولاً بعدما تحدث عن قرية الغنثر وقد زاره ووصفه بدقة بقوله هو فوهة صغيرة يخرج منها بخار مائي حار كالذي يخرج من البراكين التي على وشــــــك الانطفاء, وســـــــــنأتي على ذكر ذلك في اللمحة التاريخية ثم يتابع فيقول : ( وعدد سكانها في يومنا 2500 ثلثاهم من المســـلمين والبقية ســـــــــــريان قدماء وكاثوليك وفي الشــمال الغربي منها دير قديم باسم ( مار اليان ) يزوره المرضى والمجانين للاستشفاء, فيه ناووس رخام عليه نقوش وكتابات سريانية وعلى باب كنيســــــته كتابة عربية تاريخها 878 هـ فيها بمنع البدو من التطاول على أهل الدير) ( 11 )
الصورة رقم ( 1 ) وثيقة تاريخية تعود إلى عام 1920 تبين أن القريتين كانت مركز قضاء (منطقة ) وهي تشير إلى مرحلة الحكم الوطني أيام الملك فيصل بن الشريف حسين ( 12 ).
الصورة رقم (2) تذكرة نفوس تعود إلى عام 1921 م تبين أن القريتين كانت مركز قضاء تتبع لواء حمص وتشير إلى تجزئة سورية من قبل سلطات الانتداب الفرنسي كما هو واضح في أعلى الصورة (13).
الصورة رقم ( 3 ) صورة جوية قديمة للقريتين من الطائرة تعود لعام 1958 م وتظهر فيها المدينة بشوارعها,
وأما البقع السوداء فهي لكروم القريتين, وتبدأ جنوباً بوادي العين .
حواشي وإحالات الفصل الأول :
1- جاء في معجم البلدان . ياقوت الحموي . ج 4, ص 335 و ص 336 ما يلي :
( القريتان: بالفتح تثنية القرية وأصله من قروت الأرض إذا تبعت ناسا بعد ناس, وقال بعضهم ما زلت أستقري هذه الأرض قرية قرية, ويجوز أن يكون من قولهم قريت الماء في الحوض أي جبيته وجمعته, وقيل هي القرية والقرية بالفتح والكسر والكسر يمان).
( والقريتان أيضا قرية كبيرة من أعمال حمص في طريق البرية بينها وبين سخنة وأرك أهلها كلهم نصارى وقال أبو حذيفة في فتوح الشام: وسار خالد بن الوليد رضي الله عنه من تدمر إلـى القريتين وهي التي تدعى حوارين وبينها وبين تدمر مرحلتان, وإياها عنى ابن قيس الرقيات بقوله:
وسرت بغلتي إليك من الشــــــــــــــــام وحوران دونها والعوير
وســـــــــــــــــــواء وقريتان وعين التمر خرق يكل فيـــــــــــــه البعيـر
فاستقت من سجاله بسجال ليس فيها منّ ولا تكدير
وقد نسب إليها خالد بن سعيد أبو سعيد الكلبي من أهل القريتين), لقد أخطأ أبو حذيفة في فتوح الشام عندما قال : إن القريتين هي التي تدعى حوارين, فحوارين تقع غرب القريتين كما هو مبين في المصور رقم ( 1 ) في الصفحة ( 17) 0
2- لو اعتبرنا مركز القريتين حالياً هو الساحة الواقعة جنوب مبنى البلدية لوجدناهـا تقع عند تقاطـع خط عرض ( 41", 13', 34° ) درجة شمال خط الاستواء, وخط طول ( 25", 14', 37°) درجة شرق غرينتش وذلك من خلال دراسة وحساب الاحداثيات على مصور القريتين وصور الأقمار الصناعية.
3- جغرافية سورية, ج 1 ـ الدكتور عادل عبد السلام ـ جامعة دمشق / دمشق 1393هـ, 1973م.
4- المصورات الثلاث ( 2, 3 , 4 ) من مديرية الخدمات الفنية في حمص.
5- البادية: براري يسكنها البدو وتصلح تربتها للزراعة ولكن أمطارها غير كافية, تنمو بها نباتات طبيعية بعد هطول الأمطار عليها, بينما الصحراء أرض لا تصلح للزراعة كأن تكون رملية, نادرة الماء, ولا نبات فيها.
6- عشائر الشام – أحمد وصفي زكريا . ط 2 / 1983/ دار الفكر.
7- المصدر السابق.
8- توجد حارة في حي الميدان بدمشق يطلق عليها حارة السخانة مع أن معظم سكانها من أبناء القريتين ( غالبيتهم من الدعافسة ) الذين هاجروا إلى دمشق واستقروا في هذه الحارة, كما توجد عائلات من القريتين هاجرت إلى الأردن واستقرت فيه وتبدلت ألقابها وأصبحت ( السخني ).
9 – يوافق عام 1352هـ عامي 1933 م و1934 م حيث أن بداية العام أي الأول من محرم 1352 هـ يوافق 25 نيسان 1933م .
10 - كتاب جولة أثرية, أحمد وصفي زكريا / ط 1, دار الفكر عام 1934م.
11 – المصدر السابق, وقد تحدث الكاتب في جولته الأثرية في منطقتنا عن قرية حوارين وآثارها فقال : ( إنها تضم آثار سبع كنائس قديمة لا تزال واحدة منها ماثلة بجدرانها .. وثمة كنيسة أخرى يسميها أهل القرية كنيسة جعارا فيها حجارة وأعمدة ضخمة تشبه ما في بعلبك , وفي حوارين عين جارية وبساتين مسورة كما في صدد ) , كما تحدث عن مهين فقال : ( هي قرية في جنوبي حوارين وقريبة منها بنحو ثلاثة كيلو مترات أهلها مسلمون وهي قديمة أيضاً وفيها بناء أثري كبير فيه أعمدة وأفاريز منقوشة وحجارته ضخمة عادية وطول جداره 12 متراً وعرضه عشرة أمتار وقد ألحق به بناء لتحصينه ذو أبراج مربعة لكنه أحدث من المعبد .أ ه )
ملاحظة : تدعى الكنيسة الأولى في حوارين كنيسة الرهبان وهي مبنية من الحجر الكبير الحجم والمستطيل الشكل وتضم فناءً واسعاً في وسطها و مداخل من الغرب والجنوب والشمال وهي كنيسة كبيرة جداً على جانبي صحنها المركزي رواقان ومن الشرق الهيكل الكبير واستعملت في بنائها تيجان بديعة من الداخل والأعلى.
وأما كنيسة جعارة فتبعد حوالى 500 م شمالي حوارين وتتألف من صحن مركزي مستطيل ورواقين جانبيين وهيكل من الشرق وغرفتين على جانبي الهيكل استخدمت من الجانب الشرقي من البناء قواعد وتيجان ذات قطر 120 سم . الصورة رقم ( 4 ) والصورة رقم ( 5 ) .
12- استمر الحكم الوطني في سورية بقيادة الملك فيصل بن الحسين من 5 تشرين الأول 1918وحتى 24 تموز 1920م حيث بدأ الاحتلال الفرنسي بعد معركة ميسلون.
13- جزأ الفرنسيون سورية إلى دويلات ومنها ما سمي بدولة دمشق التي استمرت من 1كانون الأول1920م ولغاية 28 حزيران 1922م.
الصورة رقم ( 4 ) آثار حوارين ويلاحظ الدقة في نحت التيجان
الصورة رقم ( 5 ) جانب من آثار حوارين
عين السخنة